يعلن مذيع إذاعة “الأغاني” في تمام الساعة الواحدة ظهرًا، أنّنا سنقضي نصف ساعة مع صوت، محمد عبد الوهاب. من ذلك المكان، اكتشف كثيرٌ من الناس صوت عبد الوهاب وأغانيه. كانت “أنا والعذاب وهواك” من ضمن تلك الأغاني. حدث ذلك منذ أكثر من 15 عاماً. منذ ذلك الوقت، أصبحت الأغنية من ضمن أجمل وأقرب أغاني عبد الوهاب إلى قلوب كثيرٍ من الناس. هذه العلاقة الشخصية جعلتنا نبحث عما وراءها، وما قصتها، وذلك في محاولة لفهم هذه الأغنية، ولحنها، واختيار عبد الوهاب لهذا الشكل والمقام الموسيقي تحديداً.
تنتمي الأغنية إلى فترة الخمسينبات، حاول فيها عبد الوهاب أن يتشابك أكثر مع الموسيقى الغربية من خلال التوزيع الموسيقي. رغم أنه بالطبع لم يغفل الحس الشرقي، سواء أكان في اللحن أو في الغناء. تمكننا مشاهدة ذلك، أيضاً، في أغان مثل “آه منك يا جارحني” و”على بالي” وفي أغنية اليوم “أنا والعذاب وهواك”، والتي يجب قبل أن نتكلم عن الأغنية، أن نبحث عن القصة التي جعلت الأغنية تظهر إلينا.
عبد المنعم السباعي، كاتب هذه الأغنية، هو أحد أفراد الضباط الأحرار. وكان يعمل بالصحافة رغم وجوده في الجيش من قبل أحداث ثورة 52. وبعد الثورة، صار المشرف على مكتب الشكاوى في الإذاعة المصرية، وهو مؤلف فيلم “إسماعيل يس في الجيش”، أول فيلم في السلسلة التي حملت اسمه، وكانت موجهة لتعريف الشعب بالجيش. وكتب أغاني كثيرة أخرى لأغلب المطربين والمطربات في تلك الفترة، أم كلثوم وعبد الحليم ومحمد عبد المطلب ونجاة الصغيرة ومحمد قنديل وفايزة أحمد ونجاح سلام. واستمرّ بالعمل بالصحافة، وكان مسؤول باب “قلوب حائرة” في جريدة “الجمهورية”، وكان يكتب الشعر والأفلام والمقالات أيضاً. منذ فترة، وقعت أمامي إحدى مقالاته التي نشرت في مجلة “الرسالة الجديدة” بتاريخ 1 إبريل/ نيسان 1956، كان عنوان المقال عن “أنا والعذاب ويوسف السباعي”. كان المقال عبارة عن رد على مقال سابق ليوسف السباعي، يتحدث فيه عن أغنية “أنا والعذاب وهواك” ويصفها بالأغنية المبتذلة. وجاء المقال الذي يتضح في بداياته أنهم أصدقاء، بحكم أشياء كثيرة، كالعمل الأدبي أو الجيش أو الوسط الفني، يدافع عبد المنعم عن أغنيته وكلماته، ويكتبها في المقال كي يتذكرها صديقه يوسف السباعي. لكنه يصرح في المقال “ثم أسألك: أين الابتذال هنا يا صديقي الوفي؟ وأنت تعلم أن الأغنية ليست مبتذلة، ولا داعي لأن أقنعك بهذا، فيقيني أنك مقتنع تماماً بأنها ليست مبتذلة، وظني أنك تشك فقط، مجرد شك، في أن المبتذلة هي “الملهمة”.. لأ الأغنية أبدا!”. من هنا يتضح لنا أنه يوجد ملهمة للأغنية، وأن الأثنين واقعان في حبها. وانتشر كلام كثير عن علاقة الاثنين بهذه الملهمة.
اترك رد